‒ كتب هذا البيان في تل أبيب في 18/3/1978 اثناء المعارك في جنوب لبنان ‒

invasion (a) - 84

كتب الصحفي بوعاز عفرون في “يديعوت أحرونوت” (17/3/1978) بقوله “الانطباع الرئيسي هو ان العملية في لبنان قد خططت منذ وقت . وفي الحكومة ترقبوا فقط ذريعة سهلة لتنفيذ العملية ٬ لأن عملية على نطاق كهذا يستغرق تخطيطها وفتا طويلا . ومن هذه الوجهة صدق السيد مناحم بيغن بتحديده ان هذه العملية لم تكن انتقاما . والتقرير بأن جيش الدفاع الاسرائيلي سوف يستمر في البقاء هناك الى حين تسوية مرضية ‒ والشيطان يعلم كيف ومع من ستتم تسوية كهذه ‒ يعني انشاء سلطة احتلال اسرائيلي الى أجل غير مسمى” .

لم يكن عفرون وحيدا في انطباعه هذا : فقط أعرب صحفيون ومعلقون ٬ وحتى ناطقون رسميون عن رأيهم على رؤوس الاشهاد ان الغزو الاسرائيلي لجنوب لبنان قد تم تخطيطه مسبقا ٬ وذلك لضرب القوات الفلسطينية ولانقاذ حلفاء اسرائيل الذين سلحتهم ودربتهم تحت قيادة المدعو ميجور حداد .

وهدرت آلة الحرب الهائلة التي تم بناؤها في غضون السنوات الأخيرة بسيل متدفق لم يسبق له مثيل من التمويل والتجهيزات الأمريكية . أحدث آلة حرب عهدتها المنطقة تحركت شمالا وهدفها قتل الفلسطينيين حيث وجدوا . وكل شيء بقيادة “بطل” دير ياسين رئيس حكومة اسرائيل مناحم بيغن ٬ الذي يمحو بهرائه وجود الشعب العربي الفلسطيني وينفي حقوق الفلسطينيين الانسانية والقومية ٬ ومن خلال استخدام مفردات وعبارات كريهة الصيت : “عديمو صورة الانسان” ٬ “عملاء الكرملين” ٬ “مبعوثو أرباب النفط” الخ .

ان حقيقة تسمية بيغن الفلسطينيين “نازيين” لا يمكنها التغطية على المصادر القذرة التي يستقي منها بيغن وشركاؤه مثل هذه العبارات : “قطاع نظيف” .. حزام أمن .. تطهير الأرض .. الاستئصال من الجذور .. اوكار المخربيين .. ابادة القواعد .. احراق المخبيين .. “عمليات تطهير” وطبعا “تصفية نهائية” .

ولسنا في صدد العبارات والتسميات فحسب . ان غزو جنوب لبنان اُعد أكثر من أية حملة اسرائيلية نفذت في الماضي ٬ لقتل الفلسطينيين جملة والى حد ابادة شعب . جاء على لسان مراسل التلفزيون الاسرائيلي رون بن يشاي “الرماية أولا ثم الاستطلاع على ماذا (اطلقت النار) هذه هي حملات فتشْ وأبدْ” (في برنامج “هشفواع ‒ يومان ايروعيم” ٬ 17/3/1978) .

ان حملة الحرب هذه ٬ على غرار حملات الحرب الأمريكية ٬ في فييتنام ٬ لا تلحق الضرر بالفلسطينيين فقط . فالغارات الكثيفة والقصف وهدم القرى واحتلالها ٬ تردي الشهداء من الأهالي اللبنانيين أيضا ٬ وتحول عشرات الألوف من السكان الى لاجئين معدمين . وقد تجمع في بيروت خلال الأيام الخمسة الأولى للغزو ٬ أكثر من مائة ألف لاجئ من الفلسطينيين واللبنانيين يبحثون عن الغذاء والمأوى . وتحت قناع الحرب ضد “المخربيين” يضرب الاسرائيليون الشعب الفلسطيني بأسره ٬ وتحت قناع الحرب ضد الفلسطينيين يلحق الاسرائيليون الضرر بالجماهير العربية كلها .

وكما في الماضي ٬ كذلك هذه المرة ٬ يقف المعسكر الصهيوني بتياراته وأحزابه الى جانب الحكومة ٬ ابتداء من شيلي فالمعراخ الى “غوش ايمونيم” .

في اسرائيل حيث يحتل الموضوع العسكري في شكله التقني ‒ المهني ٬ مكان التحليل التاريخي والنقاش السياسي ٬ حاول بالذات محرر “معاريف” وأحد مؤيدي بيغن ٬ شلوم روزنفيلد ٬ القاء الضوء على الجوانب السياسية للغزو فكتب : “أمريكا … التي فقدت الزخم في تقربها من دمشق حسب الطراز المصري ٬ فانها تعود الآن الى الصورة بفضل عملية اسرائيل العسكرية … ومهما تكن الأرباح العسكرية التي ستجنيها اسرائيل من العملية في لبنان فمن المحتمل ان تحقق واشنطن كسبا سياسيا ذا شأن بفضل هذه العملية . فاسرائيل وأيضا سوريا بحاجة الى واشنطن الآن أكثر من قبل ٬ كوسيط ٬ وذلك للحيلولة دون ترد عسكري وأيضا لضرورة ايجاد تسوية مؤقتة معقولة في الجنوب” (“معاريف” ٬ 17/3/1978) .

حتى وان جنى الامبرياليون الأمريكيون فائدة من الغزو الاسرائيلي للبنان ٬ وان استغلوا الغزو لأغراض أخرى ٬ فلا شك ان دم الفلسطينيين المسفوك لن يعزز أمن وسلامة الاسرائيليين . والعكس هو الصحيح .

ان طغمة المغامرين : بيغن ‒ ديان ‒ شارون ‒فايتسمان ٬ المتمتعة بتأييد مغامري الأمس : بيرس ‒ رابين ‒ ألون ٬ لن تقرب السلام . انها تحفر قبرا جماعيا للعرب واليهود والمعروف ان “حزام الأمن” التابع لهذه الطغمة يتطلب كل يوم ثمنه بالدم ‒ من قوات المقاومة الفلسطينية ومن قوات الغزو الاسرائيلي أيضا ٬ ويجلب الدمار على جانبي خط النار . ان المهاويس فقط ٬ وليسوا قليلا في بلادنا ٬ يتعزون ويعزون سواهم باحصائيات الدم : كذا وكذا قتلى “لديهم” ٬ ازاء كذا وكذا قتلى “لدينا” . والميزان ‒ “ايجابي” ..

*     *     *

ان الشعب العربي الفلسطيني هو شعب محتل ٬ مضطهد ومشرد ٬ وحقه في النضال من أجل تحرره بما في ذلك النضال المسلح ٬ ليس موضع شك أبدا في نظرنا . ومن هذه المفهوم فان حق الشعب الفلسطيني لا يزيد ولا ينقص عن حق كل الشعوب التي قاتلت وما زالت تقاتل ضد مستعبديها ومضطهديها ومستغليها . على أساس هذا الاعتراف ٬ فاننا ملزمين بأن نعلنها صريحة على مسمع من رجال منظمة التحرير الفلسطينية ٬ بأننا نرفض رفضا قاطعا اطلاق النار دون تميز على عابري سبيل عرضيين ٬ كما وقع في طريق الساحل يوم 11 آذار . هذا النقد يتفق ومطامحنا الاجتماعية وأوامر أخلاقنا الثورية أيضا ٬ وان رفض بعض رجال منظمة التحرير الفلسطينية نقدنا هذا فسوف يظلون ملزمين بأن يوضحوا كيف يتناغم اطلاق النار بدون تميز مع الطموح المعلن لبناء حياة مشتركة للعرب واليهود في هذه البلاد ! هذه الثغرة بين النظرية والممارسة تضر بالنضال الفلسطيني لتحرير الوطني ٬ تصم الحركة الفلسطينية وتعمق الهاوية بين أبناء الشعبين كما وينبغي الا ننسى ان هذا النهج في النضال يخدم الزعماء الصهاينة في محاولتهم تخليد سلب حقوق الشعب الفلسطيني .

ان احتجاز الرهائن العرضيين المتكرر ٬ قد أفلس ازاء النتائج الدموية . لقد وضح للجميع هذه المرة أكثر من حالات كثيرة أخرى ٬ ان الفدائيين الفلسطينيين ليسوا هم الذين قتلوا ركاب الحافلة قرب الكانتري كلوب . فمن مجمل الشهادات في القضية ٬ جديرة بالانتباه ٬ الشهادة التي أدلى بها أفراد عائلة بركات (اب ٬ وأم وولدان) في التلفزيون الاسرائيلي (برنامج “هشفوع ‒ يومان ايروعيم” ٬ 17/3/1978) : “كل من أراد ان يطلق النار أو يتدرب ٬ أطلق النار علينا . مدنيون وغيرهم . كل متسكع خرج وكأنه ذاهب الى صيد الحمام . الحقيقة انهم (الفدائيون) لو أرادوا ان يقتلونا لكانوا قد قتلونا كالخراف … ان ما وقع في الخارج (خارج الحافلة) كان عارا ٬ وجرأة … يطلقون النار ولا يعلمون ما يفعلون …” .

ان قادة اسرائيل يحملون المسؤولية الكاملة لدماء الجماهير العربية واليهودية المسفوحة . سوف يدينهم التاريخ على التنكر للحقوق الانسانية والقومية لأبناء الشعب العربي الفلسطيني وعلى محاولة بناء مستقبل شعب على انقاض شعب آخر .

واجبنا مكافحتهم ملتحمين يهودا وعربا من أجل السلام والمساواة بين شعبين البلاد .

مركز المنظمة الاشتراكية في اسرائيل ‒ متسبين