[عن المجلة اللبنانية اليسارية “الحرية” ٬ 28/6/1976]

اذا نجحوا في لبنان أو فشلوا كانوا سيذهبون الى مؤتمر الرياض للانخراط في مسيرة “عرب أميركا” .

.. كانوا يتوهمون ويتصورون انهم سيذهبون الى هناك من موقع القوي المنتصر الذي أثبت انه قادر على وضع اليد على الفلسطينيين وعلى التحكم بمصيرهم وتمثيلهم السياسي .. وعندها سيذهب الحكم السوري الى الرياض مكللا برايات النصر وسيقول للسادات الذي حاربه لفظيا وحارب اتفاقيته في سيناء انه أقدر منه على مخاطبة الأميركيين وانه يستحق من نجاحه ان يكافأ بالمساعدات السعودية وغيرها ٬ وان يكافأ ‒ أيضا ‒ بتسهيل “تسويته” ..

هذا ما حلم به الأسد أو هذا ما كان يسعى اليه من خلال تدخله السياسي فالعسكري في لبنان ..

وبالمقابل كان “خصوم الأمس وأصدقاء الغد” ‒ أي السادات الذي انخرط قبل شريكه الأسد بالتسوية الأميركية وعقد حلفا متينا مع السعودية ‒ كان هؤلاء ينتظرون ويسعون ويخططون ويضغطون لكي ينزلق ويتورط في لبنان حتى تأتي اللحظة المناسبة وقد غرق الى أذنيه في بحر الأزمة اللبنانية فيأتيهم منهكا ضعيفا مستسلما طائعا من موقع الضعف لا من موقع القوة .. ومن موقع المستغيث لا من موقع “البطل” .

.. وهكذا سواء نجح في لبنان أم لم ينجح كان سيذهب الى الرياض .

واذا نجح سيذهب قويا فارضا شروطه وهيبته وسمعته القوية وهيمنته على الفلسطينيين وعلى لبنان .

واذا فشل لا بد له من الذهاب للانخراط في مسيرة “عرب أميركا” لانقاذه ..

وهذا ما كان الأميركيون يلعبونه مع سوريا .. يدفعونها الى التدخل ويمدحون مبادرتها ويشجعونها على الممضي بمشروعها الكونفدرالي ٬ وبنفس الوقت كانوا يشدون الحبل على عنقها عندما يلاحظون تهورها وازدياد ثقتها بنفسها حتى كانت اللحظة المناسبة للف الحبل على عنقها وجرها نهائيا الى الحظيرة ..

وهكذا فعلت أيضا ‒ السعودية ‒ وكأنها تنفذ سياسة أميركا بدقة وامانة ‒ فكانت تشجع سوريا للتدخل وتبارك مبادرتها ثم تسحبها وتضغط وتوقف المساعدات حتى لا يتجاوز “الدور العربي” حدوده وحجمه .. اما السادات فكان دوره ان يفضح ما يريده السوريون وان “يشرشحهم” كلما انزلقوا وتورطوا حتى اذا بدأت مؤامرتهم على الفلسطينيين ‒ التي بدأها هو باتفاقية سيناء ‒ يخرج هو بريئا من “الجريمة” ليقول ألم أقل لكم ذلك من قبل .. ألم أحذركم من السوريين ٬ ألم أقل لكم انني معكم وان اتفاقية سيناء بريئة من الدماء التي أريقت في لبنان وان السوريين هم وحدهم الذين تآمروا وأراقوا الدماء .. ثم يستدير بعد ان يصالح الفلسطينيين الى الرياض ليصالح الأسد ويعاتبه ويحاسبه وليعقد الصفقة :

“أسكت عليك وعلى ما قمت به في لبنان وتسكت انت عن اتفاقية سيناء ونمشي معا الى الحل .. الأميركي” .

وفشل التدخل العسكري في لبنان . وانتصرت ارادة الفلسطينيين والحركة الوطنية اللبنانية ٬ وعلى انقاض الدبابات السورية كان استقلال منظمة التحرير الفلسطينية واستقلالية المقاومة امام محاولات وضع اليد عليها تنتصر وترتفع ..

وانهارت أحلام الأسد وخططه للذهاب الى مؤتمر الرياض من موقع القوة والهيبة والانتصار .. وأخذ يبحث عن مخرج لائق وعن مساعدة عربية تعينه على الانسحاب من الورطة من ناحية وعلى ابقاء وجوده العسكري في بعض المناطق من ناحية أخرى .

ومن أجل ذلك فتح خطين بعد مقررات وزراء الخارجية العرب :

  • خط مع مهمة محمود رياض [أمين جامعة الدول العربية] الذي يمثل الحلف السعودي ‒ المصري .
  • خط مع مهمة عبد السلام جلود [رئيس الوزراء الليبي] الذي يمثل الخط الوطني المساند للمقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية .

واذا لم يساعدوه ولم يتساهلوه ولم يخففوا شروطهم فانه لن يراهن على الخط الأول .. فلا بدله اضطرارا ان يقبل بمهمة جلود ٬ وان يقبل “وساطته” وحكمه العادل .

وهذا ما حصل فعلا .. في البداية فتح الحكم السوري الخطين معا .. وانتظر .. وكان أقرب الى مساعدة مهمة محمود رياض ٬ وأكثر مناورة ومماطلة في الانسحاب مع مهمة جلود .

وذهب رياض الى الرياض ليعرف الشروط .. وأخبره المسؤولون السعوديون انهم غير موافقين على الاشتراك في قوات الأمن العربية ما لم ترضخ سوريا وتركع وتقبل بكل الشروط .. وانهم لن يساعدوها ما لم تتنازل وتقبل ما كانت ترفضه .. ووجد الأسد نفسه في أسوأ وضع ٬ وقد عاد من باريس ‒ أيضا ‒ في وضع دولي لا يحسد عليه .. واضطر ان يستنجد بمهمة جلود وان يقبل بها وان يكون الانسحاب الجزئي من المدن تحت اشرافها ٬ لعل مؤتمر الرياض بعد ذلك يغطي له احتلاله العسكري للبقاع وعكار .

واضطر حكام سوريا للانسحاب فم غير قادرين على الاستمرار امام ما حدث لدباباتهم وزحف قواتهم في بيروت وصيدا وصوفر . وامام المضاعفات الداخلية التي بدأت تخلخل حكمهم من الداخل وتضعهم على أبواب الخطر .. ووافقوا على “الانسحاب” تحت اشراف جلود .. ومع ذلك قالوا له انهم مع موافقتهم على الانسحاب “لم يعد لديهم سوى الذهاب الى الرياض” .

واستطاع جلود ان ينجز “الانسحاب من المدن” رغم كل محاولات المماطلة والتسويف ووضع الشروط .

واثناء ذلك كانوا يستعدون للذهاب الى الرياض في محاولة لتخفيف الضغوط والشروط عليهم ما أمكن وفي محاولة لربط الدور السوري نهائيا بالحلف السعودي ‒ المصري والحل الأميركي ولتغطية الاحتلال العسكري في البقاع وعكار واستخدامه في اكمال الحلقة الجديدة من المؤامرة على المقاومة الفلسطينية بحيث تزداد الضغوط السياسية العربية من “عرب أميركا” لتقييد حركة المقاومة سياسيا بعد ان فشل حكام سوريا في ذلك بكل الوسائل والأساليب .

وكانت نتائج مؤتمر الرياض جد واضحة :

1 ‒ انخراط سوريا نهائيا في جبهة عرب أميركا ٬ وكما قال [الوزير الاسرائيلي] ألون على نتائج مؤتمر الرياض : ان ايجابيته تكمن في ان سوريا أصبحت في دائرة النفوذ الأميركي !

2 ‒ تعريب “المبادرة السورية” في لبنان وتعريب المشروع السوري في الضغط على المقاومة الفلسطينية من قبل محور عرب الرياض جميعا .

3 ‒ مساعدة سوريا من جديد على ابقاء القوات السورية في لبنان .

4 ‒ مساعدة سوريا لانقاذ أوضاعها الاقتصادية المتدهورة ..

وكانت الصفقة على الشكل التالي :

  • سكوت على اتفاقية سيناء التي كان الحكم السوري يحاربها .. لفظيا .
  • سكوت وصري ‒ سعودي على الاحتلال السوري للأراضي اللبنانية .

لقد وضع “مؤتمر الرياض” الأخير الخطوة الأساسية لربط سوريا بمسيرة “عرب أميركا” والحلف السعودي ‒ المصري .. ورغم ان مؤتمر رؤساء الوزراء لم يتوصل الى كل شيء انما اتم فقط الخطوة الأولى وبداية المصالحة السورية ‒ المصرية . فان القمة المنتظرة هي التي ستتكفل بأكمل الترتيبات وبقية الصفقة .. اذا لم يجد أي شيء !