לפיד

(عن صحيفة اليسار اللبناني “الحرية”)

تتجدد الشعوب بتجدد نضالاتها ٬ وفي عملية التجدد المستمر تبحث باستمرار عن وسائل جديدة وطرق مبتكرة لتأمين عملية التجدد هذه . لقد دفعت هزيمة حزيران الانسان الفلسطيني الى خنادق جديدة ٬ هب يقاتل بطرق مختلفة ازاء التهديد المباشر لطمس شخصيته القومية والثقافية ٬ ونزع هويته التاريخية كعربي . لذلك فقد جاء نمو وانتشار النشاط الفني كأداة نضالية ٬ الدفاع عن البعد الحضاري للشعب الفلسطيني والحفاظ على لغته وتراثه وفنونه . لقد جاء تطور النشاط الفني كضرورة تاريخية ٬ شكل من النضال ٬ لذلك فهو ممهور بالصيغة السياسية والتحريضية ٬ لأن ليس فن لهوة بل فن معركة .

وفي هذا الجو النضالي نبتت أشعار فدوى طوقان الجديدة والتي شكلت امتدادا لشعر المقاومة الفلسطيني المتمثل بصوت توفيق زياد وسميح القاسم ومحمود درويش ٬ وفي هذا المناخ كبر الشاعر خليل توما صاحب ديوان “أغنيات الليالي الأخيرة” والتي يقبع الآن في سجنه الاداري منذ عامين ٬ وظهرت الشاعرة ليلى علوش والشاعرة سميرة الخطيب .

ولم يكن الشكل الشعري هو الوحيد الذي نما ووقف على قدميه ٬ فهناك ميدان القصة حيث ارتفعت اقلام تدافع عن الوطن وتعبر عن مسيرة الشعب مثل جمال بنورة ومحمد شقير . كما تطور الغناء الشعبي كمرأة لنضال الشعب والمتمثل في الفنان الشعبي “راجح غنيم” ٬ الذي توجه الى المرآة الفلسطينية منشدا “تعلمي سر النضال تعلمي تقدمي للموت لا تتالمي” ٬ والفنان مصطفى الكرد ذو الأغنية الملتزمة المحرضة .

وظهرت أيضا فرق الدبكة والرقص الشعبي في دار معلمات رام الله ٬ وفي جامعة بيت لحم ٬ وفي جمعية انعاش الأسرة في البيرة .

ومن النقاط البارزة في نضال شعبنا الحضاري ٬ الدفاع عن التراث واحيائه وهناك جمعيات عدة تهتم بهذا الموضوع وتأتي في طليعتها “جمعية انعاش الأسرة في مدينة البيرة” والتي تنشر مجلة فصلية بعنوان التراث والمجتمع . ويمتد النشاط الفني أيضا الى الرسم . والفن التشكيلي ٬ فظهر معرض في القدس في أواسط 1975 ٬ واخر في نابلس ٬ كما اقامت جامعة بيت لحم معرضا لرسوم الأطفال ضم 165 لوحة وعلى الرغم من تمييز المدارس في الرسم فان نقطة الانطلاق لديها جميعا تبقى واحدة : الدفاع عن الشعب والوطن .

يشكل المسرح أنشط الحركات الفنية في الأراضي المحتلة تعبيرا عن واقع الشعب وطموحاته ٬بدأت ولادته في عام 1967 بمبادرة من اللجنة الثقافية في نقابة عمال الطراشة والدهان والحدادة في القدس ٬ والتي أعطته فنا لصيقا بالشعب ٬ كما قدمت الى جانب ذلك الأغنيات والدبكات الشعبية ٬ وقد لعب فيها للفنان ‒ الحداد مصطفى الكرد دورا هاما ٬ وعندما أغلقت سلطات الاحتلال النقابة عاد مصطفى الكرد ورفاقه الى انشاء ناد رياضي تحول الى قناة جديدة ٬ فقدم مسرحيتين سياسيتين : هزيمة الشيطان والطريد . وشهد عام 1970 نموا سريعا للفن المسرحي فظهرت نشاطات مسرحية في “نادي سلوان الرياضي” وانشأ عطية أبو أرميلة فرقة المسرح التجريبي ٬ كما ظهرت فرقة النجوم في رام الله ..

لكن أهم هذه النشاطات المسرحية بلا ريب هي قيام مسرح بلالين ٬ الذي خلق في القدس . تشكل هذا المسرح من انضمام مجموعتين من الشباب : مجموعة فرنسوا أبو سالم في القدس ومجموعة ناديا ميخائيل في رام الله ٬ وبذلك تكون بداية حقيقية للمسرح الفلسطيني . وقدم مسرح بلالين مجموعة أعمال مثل : قطعة حياة العتمة ٬ ثوب الامبراطورة ٬ نشرة أحوال الجو ٬ تع تخوفك يا حبي ٬ الكنز . ولم يقتصر نشاط هذا المسرح على مكان واحد بل طاف بمعظم مدن الضفة الغربية ٬ وتميز بجماعية العمل والمباشرة الفنية كي يصل الى الجمهور بسهولة ٬ كما استخدم تكتيكا جديدا بحيث يدخل الجمهور في العمل المسرحي ويجعله جزءا حيا ومشاركا فيه ٬ وحاول ان يعطي نشاطا ملونا ٬ فنشط لاحياء الفلكلور الفلسطيني ٬ كما قدم من خلال شخص الفنان مصطفى الكرد أغنيات وطنية تعتمد على شعر المقاومة بالاضافة الى القراءات الشعرية والرقص التعبيري .

وبفضل نشاطها وحركتها الجماهيرية تحولت جماعة بلالين الى جمعية لهواة ومشجعي الفن ٬ فأصبح رصيدا جماهيريا يتبناها ويدافع عنها ٬ كما اتصلت ببعض الشخصيات الديمقراطية في اسرائيل .

المجموعات المسرحية الأخرى : فرقة دبابس التي تعرضت في مسرحياتها لسماسرة الأرض ومصادرة الأراضي لصالح الاحتلال ولنضال الشعب الفلسطيني الشاق المتطلع الى استعادة وجهه القومي وأرضه . وهناك مسرح الكشكول وفرقة بلالين التي استقلت عن بلالين ٬ وفرقة المسرح الفلسطيني في القدس . وفرقة جامعة بيت لحم ..

وهكذا فان الثقافة تستحيل على يد شعبنا المناضل الى اداة قتالية ٬ قوة مادية تتحدى الاحتلال وتفرس في النفوس حتمية المجابهة بكل أشكالها ٬ وتحفظ للشعب وحدته العضوية لتجعله قادرا على مواصلة المسيرة .

فتحية لفنانا المقاتل في الأراضي المحتلة .

IMG_NEW