the settlement يقترب النزاع الاسرائيلي- العربي الان من نقطة تحول جديدة ٠ فبالرغم من رفض المقترحات المصرية ٬ والتصريحات الصادرة عن زعماء اسرائيل والناطقين باسمها ٬ فهنالك “تسوية” عمادها مشروع روجرز الشهير تلوح في الافق ٠ تلك لن تكون تسوية سلمية ٬ كما يتوهم العديد من الاسرائيليين ٬ بل اتفاقية مؤقتة بين اسرائيل والحكومات العربية ٬ اتفاقية توقع من فوق رؤوس الجماهير العربية ٬ وبضغط من الدول الكبرى ٠ لا يزال هنالك ٬ في الحقيقة احتمال بان تكون الغلبة في واشنطون والقدس مؤقتا للغربان فتنزل على مصر المنهكة ضربة اخرى يتزعزع لقساوتها مركز الاتحاد السوفييتي وسمعته ٠ لقد ازيلت معظم العقبات الرئيسية التي كانت تعترض طريق التسوية ٠ الأنظمة الناصرية (مصر وسوريا) تبرهن ثانية ٬ بأن اليوم أكثر مما كان عليه الحال حينما تسلم عبد الناصر الحكم ٬ لن يكتب النجاح للنضال المعادي للاستعمار ٬ على المستوى القومي ٠ ٳذ ان استعداد تلك الأنظمة لمهادنة الصهيونية والرضوخ لما يمليه الاستعمار ٬ من أجل المحافظة على بقائها ٬ سوف يودى بها نحو هزات أخرى ٠ أما أشد العناصر معارضة للتسوية – حركة المقاومة الفلسطينية – فقد تم ضربها خلال مذبحة دموية نفذها زبانية حسين على اصوات تهليل اسرائيل وحليفاتها وبموافقة صامتة من قبل الاتحاد السوفييتي والأنظمة البرجوازية الصغيرة العربية ٠ ٳن الأسباب الرئيسية لهزيمة الفلسطينيين ٬ هي تعليق منظماتهم الآمال على نضال التحرر الوطني اللاطبقي ٬ والاعتناد على “الثورة الفلسطينية” المعزولة عن النضال الشامل في المنطقة ٬ بالٳضافة الى عدم تحليل وٳدراك التحالف الثلاثي ٬ بين الصهيونية والاستعمار والرجعية العربية – التحالف الذي يفشل مقدما كل امكانية للاعتماد على احد هذه الاطراف (الرجعية العربية) بهدف مكافحة الطرفين الاخرين (الصهيونية والاستعمار) ٠ ان نضالا تحرريا يجري على هذا النحو – معتمدا على احد أطراف هذا المثلث – يحمل بين طياته ٬ في أفضل الاحوال ٬ تطلعا نحو دولة فلسطينية مرتبطة بالاستعمار ٬ تحيا بفضل الصهيونية ٬ وتدعمها الرجعية العربية ٠ وفي حالة قيام دولة كهذه ٬ فانها ستحوي داخلها منذ نشأتها ٬ وبشكل بالغ العنف ٬ نفس التنلقضات القائمة في الشرق العربي بأجمعه ٬ وذلك بسبب دينامية تطور الحركة الفلسطينية من جهة ٬ ولاستحالة الاستجابة ٬ منذ البداية ٬ لتطلعات التيارات التي ولدت تلك الدينامية ٬ ولو بصورة جزئية ٠ ان اليسار الفلسطيني الثوري ٬ الذي ساهمت حداثه عهد ٬ وانجراره خلف الأحداث ٬ هي الأخرى ٬ في انتكاس الفلسطينيين (أحداث اسلول 1970) – هو وحده الذي يقدر على ازالة تلك التناقضات ٠ وان ذلك ٬ سيتم فقط من خلال انتهاج الطريق الطويل والشاق في بناء حزب ثوري ٬ على نطاق المنطقة بكاملها ٬ على أساس طبقي – حزب يحل نصره ٬ فيما يحل ٬ القضية الفلسطينية كذلك ٠ ليس ثمة حل للقضية الفلسطينية ٬ في نطاق “التسوية” التي تقف على الأبواب ٬ أو في نطاق نضال تحرر وطني فلسطيني منفرد ٠ سوف تكون للتسوية نتائج حاسمة بالنسبة للمجتمع الاسرائيلي ٠ هنالك تناقضان يميزان خصائص هذا المجتمع ٠ أولها التناقض القائم في كل دولة رأسمالية – التناقض بين العمل ورأس المال ٬ بين الطبقة العاملة والبرجوازية ٬ بين المستغَلين والمستغِلين ٠ لقد تم ابعاد هذا التناقض نحو مكانة ثانوية ٬ بسبب وجود التناقض الآخر ٬ الكولونيالي ٬ بين الاستيطان الصهيوني والمجتمع الفلسطيني المطرود ٠ ان الاستيطان ٬ الذي تم بفضل حماية الاستعمار ٬ والذي لم يكن ليتم بدون تلك الحماية ٬ قد نصّب الصهيونية ٬ التي اعقبت قيام دولة اسرائيل ٬ كطليعة للاستعمار في المنطقة ٬ ووسّع نطاق النزاع من المستوى الفلسطيني الى العالم العربي بأجمعه ٠ هكذا غدت اسرائيل على كافة طبقاتها ، اداة مستغَلة ، سياسيا وعسكريا ، من قِبَل الاستعمار ، تستفيد من المعونات الاقتصادية التي يُلقى بعضها الى الطبقة العاملة ٠ ان هذا السبب ، مثله مثل الوجود العضوي للفلسطينيين المطرودين ، اللذين يشكلون تهديدا محتملا للاستيطان الصهيوني الذي تم نتيجة لطردهم ، بالاضافة الى حقيقة كون تنظيم الطبقة العاملة في اسرائيل قد جرى من أجل تحقيق الأهداف الصهيونية ، وقائم تحت هيمنتها – كل ذلك أدى الى منع تفاقم الصراع الطبقي داخل اسرائيل ٠ لقد جعل كل من الخطر الخارجي والانتفاع من المعونات الخارجية ، الطبقة العاملة الاسرائيلية تقف صفا واحدا مع مستغليها ، في اطار المعسكر الصهيوني ٠ ويجب هنا ذكر حقيقة انه بالاضافة الى المنافع المادية ، التي وضعت الطبقة العاملة الاسرائيلية في مستوى أعلى بكثير من مستوى الطبقة العاملة في المنطقة ، فان كون اسرائيل دولة مهاجرين قد سهّل على انصهار مصالح الطبقة العاملة ، في الظاهر ، داخل المصلحة الصهيونية “العامة” ٠ لكن تخفيف حدة التهديد الخارجي الفوري يمكننا من توقع بروز مطالب العمال في اسرائيل على السطح بكل حدتها ، مطالب لا يمكن تجاهلها بحجة “الأمن القومي” وبشعار “كل العالم يعادينا” ٠ كما تميل التناقضات الطبقية في اسرائيل ، في بعض الأحيان ، الى الظهور بمظهر تناقضات طائفية ، كما تبين ذلك مؤخرا حينما بدأ “الفهود السود” يمارسون نشاطهم في أحياء القدس الفقيرة ٠ ان المطالب الطبقية ، حتى وهي تترجم الى لغة طائفية ، تمس منذ لحظة بداية تقديمها قلب الصهيونية في الصميم ٠ ان المطالبة البسيطة باصلاح أوضاع سكنى العائلات متعددة الأطفال ، التي تقطن الأحياء الفقيرة ، حتى ولو بثمن تفضيل قضيتهم على قضية إسكان المهاجرين الجدد ، تُخبئ من ورائها تنكرا لأهم المبادئ ، من وجهة نظر الصهيونية ٠ ان مهمة منظمة ثورية في هذه الفترة ، فيما اذا تمت تلك التسوية المؤقتة في مجال العلاقات الاسرائيلية – العربية ، ستكون في توجيه القوة الكامنة في مطالب الطبقة العاملة والطاقة المستترة في داخل تلك الفئات التي تتصادم مع الصهيونية ، نحو تشييد حركة ثورية – طبقية ٠ ان حركة كهذه ، يمكن لها النمو خارج نطاق الايديولوجية الصهيونية فقط وخلال تصادم معها ٠

هيئة تحرير “متسبين”