نشر في موقع جريدة هآرتس, 26 أكتوبر 2021:

رسالة رفيق شامي الى أحمد مصاروة: تصور معي يا أخي

عقد مساء أمس الاثنين، على منصة المسرح العربي-العبري في يافا وبتأخير قرابة العامين بسبب الكورونا، مؤتمر بمناسبة الذكرى الثمانين لميلاد أحمد مصاروة بطل فيلم رام ليفي “أنا أحمد” (1966)، وفيلم رينان شور “صوت أحمد” (2019). مصاروة، عضو “ماتسپن”، درس في ألمانيا في السبعينيات والتقى هناك بطالب سوري يساري ، عرف فيما بعد بالاسم المستعار “رفيق شامي”، وهو كاتب ترجمت كتبه إلى العديد من اللغات ، بما في ذلك العبرية (دار شوكن للنشر). بين الإثنين تشكلت لغة مشتركة، شخصية وسياسية على الفور، واستمرت العلاقة بين شامي واعضاء “ماتسپن” منذ ذلك الحين. قبل عامين ، طلب منه كتابة رسالة تحية لأحمد ليتم قراءتها على مسامع الحاضرين في المؤتمر، وهذا نص الرسالة التي أرسلها في نهاية شهر أكتوبر 2019. (إهود عين جيل)

رفيق شامي.
المصور: Arne Wesenberg © 
أحمد مصاروة

عزيزي احمد،

كل عام وانت بخير مع عائلتك الكريمة. كم يسرني ان اهنئك بعيد ميلادك.

تعود بي الذاكرة الى هايدلبرغ حيث التقينا وتفاهمنا بسرعة. وكم اعجبتني طبيعتك الهادئة وميلك للمرح والسلام. كنت آنذاك كحالتي اليوم كثير الأشغال ولا امتلك الوقت للراحة لكني كنت اسعد بلقائك وخفة ظلك وتواضعك وهما صفتان نادرتان عند عرب هايدلبرغ.

اشكرك لكل دقيقة امضيناها معاً.

لكني لا اريد حتى في سطوري القليلة التي اهنئك بها ان أخفي عنك حزني لهذه المأساة الدائمة التي تعيشها شعوب المنطقة.

كنا في سنين طفولتنا نعتقد لقلة ادراكنا انه ليس هناك سوى مأساة واحدة هي مأساة الشعب الفلسطيني، ولما امتد نظرنا الى ابعد من انفنا أدركنا انها مأساة شعبين: العربي الفلسطيني واليهودي الإسرائيلي.

كم كنا بسطاء يا أخي!

اليوم تتضح صورة وضع مأسوي لكل شعوب المنطقة. فهي تعيش مكبلة بالخوف مما هو قادم وغالبية مواطنيها تسير باكية وجائعة حافية القدمين فوق محيط من الذهب الأسود.

هذا النفط الذي كان بإمكانه في مجتمع ديمقراطي ان يخلق فردوسا ارضيا تخجل

منه كل الوعود الدينية بفردوس الآخرة.  وما الذي انجزه البترول؟ دمار ما بعده دمار.

أين ابدأ؟ بسوريا؟ ام بالعراق؟ باليمن؟ او بمصر، ليبيا؟ لبنان؟ السودان؟ ام الجزائر؟ الخراب اجتاز الحدود بدون تأشيرة دخول.

هناك حكام وشعوب تعتقد فعلا انها بعيدة عن الدمار مثل اسرائيل وقطر ودبي، لكني، وبحكم هوايتي في التنبؤ، اتنبأ اليوم انه لا مستقبل لأي أحد وسط هذا الدمار الشامل…ان الدمار كالأمراض المعدية يغير سحنته وطريقة دخوله من بلد لبلد. قارن كيف تسلل الخراب بعد انتفاضة شعوبها السلمية في تونس، مصر، اليمن وسوريا… وهو ما سُمِيَ بغباء “الربيع العربي”. ما هذا الربيع الذي تحول فوراً لشتاء؟

يا أخي نحن لسنا جمهوريات ولا ملكيات…نحن بلاد تحكمه قبائل وعشائر بربرية لا هدف لها الا السرقة والسيطرة ولو كلف ذلك ملايين الأرواح وخراب البلاد. هل من الصدفة أن يصرخ اتباع الأسد في بداية الثورة السلمية من اجل الحرية والكرامة علنا ودون خجل: الأسد او نخرب البلد. وما الذي وصلنا اليه؟ كلا المصيبتين: الأسد باقي والبلد خُرِبت. هل تتذكر الحرب الأهلية اللبنانية التي شغلت حوارنا اثناء اقامتك في هايدلبرغ؟ ومن يحكم لبنان الآن؟ نفس العشائر التي بدأت الحرب.

والأكراد؟ هذا الشعب المسكين الذي اضحى العوبة بين اردوغان وترامب وبوتين. هل هذه مأساة ام ملهاة لحيثما يضخ البترول لآخر قطرة؟

تصور معي يا أخي لو كانت المنطقة منظومة دول ديمقراطية: فلسطين، اسرائيل، سوريا، لبنان العراق، ايران، تركيا، دول الخليج ودول شمال افريقيا. كان بامكانها

بمقدرة وذكاء نسائها ورجالها الفكرية والنفط واراضيها وانهارها الخيرة الوصول الى كل ما يشتهيه الإنسان من تقدم ورفاهية.

هذا هو ما حُرِمنا منه.

أخي العزيز،

اعرف ما تعانيه منذ التقينا في هايدلبرغ وشرحت لي بصدق وبهدوئك المعروف ظروف حياتك. لكن ثق يا عزيزي انت بخير مقارنة مع حياة سوريات وسوريين يدافعون عن حريتهم وكرامتهم.

حُرِمْتُ من رؤية أهلي واصدقائي طوال 48 سنة لأني قلت رأيي بوضوح. لم يسمح لي بدخول بلدي لمدة 24 ساعة لمرافقة امي الى مثواها الأخير.  ومُنِعَت كل كتبي في سوريا ولا تزال حتى اليوم ممنوعة… تُهَرَب عند الضرورة من بيروت.

طبعا اكره مرتزقة الكلمة الذين يهتفون للأسد رغم ثمان سنوات من المجازر، لكني لا ابالغ اذا قلت لك ان عقلي لا يقدر على فهم اناس يدعون انفسهم معارضة ويمولون حياتهم الدنيئة في فنادق خمس نجوم بدولارات قطرية ويهتفون لشيوخ  البترول وعميلهم عزمي  بشارة… هل تتصور عزلتي وعزلة كل من يرفض كلا الطرفين لأنه برأي اذا كان الأسد كوليرا فقطر والسعودية هما الطاعون.

عزلتي كانت الخيار الوحيد الذي ارتضيته لنفسي. وأدبي هو الباب الخلفي الذي اعود عبره لدمشق التي احبها.

احييك يا احمد، يا طيب القلب والسريرة، واتمنى لك من كل قلبي ان تعيش بسعادة وصحة.

مع مودتي

رفيق شامي