استعدادا لانتخابات الكنيست سنة 1977 , أقامت ركاح (الحزب الشيوعي الاسرائيلي) الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة , واعتبر قادة ركاح وكثير من أعضاء الحزب ومؤيديه هذه الجبهة بمثابة الجسم الذي سيجر خلفه الأغلبية الساحقة للجماهير العربية في اسرائيل . وحقا , فقد هزم في هذا الانتخابات رؤساء الحمائل والمتواطئون مع الأحزاب الصهيونية . وللمرة الأولى صوت معظم الناخبين العرب لحساب ركاح وجبهتها . ورغم ذلك لم تتم فرحة قادة ركاح , اذ ظهر لهم منافسون بين الجماهير العربية في اسرائيل .

ولم تضطر ركاح في انتخابات السلطات المحلية عام 1978 الى مصارعة المتواطئين على أجناسهم فحسب , بل الى منافسة قوائم وطنية مستقلة في عدد من القرى . هذه القوائم التي اشتهرت باسم “أبناء البلد” في أوساط الجمهور الاسرائيلي تحدّت ركاح ليس فحسب على صعيد حقوق الشعب الفلسطيني وانما أيضا على صعيد النضال الاجتماعي في القرية , ضد البنية الحمائلية التقليدية التي تشكل اداة هامة في جهاز التسلط السلطوي على الجماهير العربية .

لقد كان التحدي الذي جابهته ركاح وقتئذ أعظم خطرا بالنسبة لها , ذلك لأنها اقامت “جبهتها” مع رؤساء الحمائل الذين “رضعوا حليب الصهيونية” – كما قال الناطق بلسان أبناء البلد في أم الفحم رجا أغبارية – من حزب العمل والذين كانوا أعضاء فيه ولا يزال بعضهم كذلك الى اليوم . ويضيف الناطق بلسان أبناء البلد : “هؤلاء الحلفاء , شكلوا في الواقع بديلا للقوى الوطنية الفلسطينية التقدمية . . . وفقا للقرارات التي اتخذت في مؤتمر ركاح الأخير , والذي قرروا (الشيوعيون) فيه اقامة جبهة مع اليسار الصهيوني وليس مع اليسار المناهض للصهيونية والقوى الوطنية الفلسطينية في أوساط الفلسطينيين الذين يعيشون في البلاد . فكان أن حالت هذه الجبهة من حيث برنامجها وتركيبها دون تأييد القوى الوطنية الفلسطينية لركاح , وتسببت عمليا في امتناعهم عن التصويت , أما الذين صوتوا لصالح ركاح بسبب انعدام البديل , فقد صوتوا كأفراد دون “تعبئة ناخبين” .
وحسب رأي الناطق بلسان اياه , فقد بلغت نسبة الامتناع عن التصويت , 34 بالمائة للمرة الأولى في تأريخ العرب في البلاد .

تجابه حركة أبناء البلد هجوما متعدد الاتجاهات . هاجمها الشوفينيون أمثال أمنون لين الذي يسعى في الواقع الى حظرها قانونيا وهاجمها صحافيون كثيرون من مواقف صهيونية متعددة . وهاجمها أيضا أعضاء ركاح وأحيانا بحدة بالغة . وكل ذلك بسبب مواقفها السياسية . وحظيت عمليات هذه الحركة أيضا بتغطية في وساءل الاعلام الاسرائيلي . الشيء الذي لم يحظ بتغطية هو ما يفعله أعضاء حركة أبناء البلد في قراهم . كيف يعملون وكيف يؤدون مهمتهم كممثلي الجمهور في المجالس المحلية .

التماسا لأجوبة على هذه التساؤلات خرج مراسل متسبين الى ثلاث قرى في المثلث . كتب هذا المقال باللغة العبرية , وترجمه الى العربية أحد أعضاء متسبين .

في الطيبة : قلق الحمائل من النهضة

ان أول من خاض انتخابات للمجالس المحلية في قائمة لا حمائلية كان أبناء الطيبة . ففي 1965 فكر رهط من الناس , أغلبهم أعضاء أو أنصار حركة “الأرض” التي حظرت قانونيا في ذلك العام , الاشتراك في الانتخابات المحلية . غير أنهم لم يكونوا قد تبلورا بعد , فلم تتجسد الفكرة , وكان لرفض قائمتهم لانتخابات الكنيست أثره في ذلك (“القائمة الاشتراكية” وترأسها صالح برانسي ابن القرية) . في 1969 كان موقف هذه الفئة أكثر وضوحا وتبلورا . فؤلفت قائمة “النهضة” وانتخب فهمي جبارة في رأسها . وحازت على 239 صوتا , ولم ينقصها سوى 19 صوتا كي تفوز بالتمثيل في المجلس . وقد أوصلت ركاح وقتئذ عضوين الى المجلس .

وفي عام 1973 خاضت “النهضة” المعركة الانتخابية مرة أخرى . وصوت 304 نسمة لصالحها . وانتخب عرابي جبارة الذي ترأس القائمة عضوا في مجلس الطيبة المحلي . وتضاءل التأييد لقائمة ركاح ولم يدخل المجلس الا مرشح قائمتها الأول عبد الحميد أبو عيطة .

يقول عبد العزيز أبو أصبع من قدماء “النهضة” : “هدف النهضة ليس مجرد الاشتراك في المجلس المحلي . الا ان سياسة الدكم الاجرامية تمر خلال المجالس المحلية , وعن طريقها يتسلطون الجماهير العربية , وبواسطة زلمهم الذين يشتغلون معهم ويخدمونهم . كي نناضل بنجاح ضد سياسة الحكم الاسرائيلي علينا ان نهزم عملاءه في المجالس المحلية . الاشتراك في المجلس ليست غاية بحد ذاتها فحسب بل هي وسيلة لتحقيق غايات أخرى” .

ولقد ضوعف تقريبا تأييد النهضة في الانتخابات الأخيرة للمجالس المحلية . ففازت قائمتها ب 565 صوتا , لكن بممثل واحد فقط في المجلس , عرابي جبارة . هذه المرة لم تشترك ركاح في الانتخابات في قائمة مستقلة بل انضمت الى “جبهة” مع احدى الحمائل برئاسة عبد الرحيم حاج يحيى . وعبد الرحيم اياه كان رئيسا للمجلس في يوم الأرض 1976 , وعزل في الحال لمعارضة الاضراب . وصوتت ركاح حينئذ من أجل عزله , وبعد ذلك بسنتين اقامت معه “جبهة ديمقراطية” !!

ويضيف أبو أصبع : “طالما أننا لم نتوصل الى توحيد كل قوانا في كل القرى , وطالما أننا لم ننتصر في كل القرى , سيظل الوضع فاسدا . لأن سياسة السلطات تمر خلال المجالس كلها . الجهد السياسي ينبغي أن يكون في وحدة كل القوى من أجل دحر هذه السياسة في كل القرى , وفي هذا المجال لم نحقق انجازات هامة . ثمة حوار بيننا وبين قوى شبيهة في القرى الأخرى . نحن نأمل ان نوحد سائر هذه القوى في حركة مبلورة رسمية . هذه الفكرة واضحة جدا لدى أعضاء النهضة ونحن نفكر في تحقيقها . على كل حال لقد أصبحت النهضة قوة خطيرة , وهي من العوامل الرئيسية في حياة القرية السياسية , وكل جسم يفكر في اقتراح شيء يأخذ بالحسبان قبل كل شيء ماذا سيكون موقف النهضة من اقتراحه” .

في عهد المجلس السابق طرح أبناء النهضة برنامجا في حقل التعليم والآن بدأ المجلس الحالي بتنفيذه . اقترحت النهضة اقامة لجنة معارف في القرية تتألف من مختصين لا من أعضاء المجلس . وأجرى أعضاء الحركة نقاشات متواصلة مع معلمين ومربين لكي يضعوا سوية خطة لتحليل المشاكل واقتراح الطرق لحلها . بالنسبة للمدرسة الثانوية في القرية اقترحت النهضة اقامة لجنة من شخصيات شعبية لتقصي وضع لامدرسة . اقيمت اللجنة وقامت بتقصى شامل وقد بدأ المجلس بمعالجة توصياتها . وبفضل جهودها في حقل التعليم تسلمت قائمة النهضة رئاسة لجنة المعارف التابعة للمجلس .

حركة النهضة منظمة على أساس ديمقراطي , وأمانة السرّ (السكرتارية) هي الهيئة التي تقوم بالعمل اليومي وتضم ثلاثة أعضاء ينتخبون من اللجنة التأسيسية الذي يعد 24 عضوا وينعقد مرة في الشهر تقريبا . المؤتمر الذي يشارك فيه كل مؤيدي الحركة ينعقد حسب المقتضيات . وقبل كل جلسة للمجلس المحلي تجتمع السكرتارية لمناقشة الموقف الذي سيأخذه ممثل الحركة من المسائل المطروحة على جدول الأعمال . في المسائل الهامة . وخاصة التي تتعلق منها بالتعليم والتخطيط , يدعون اللجنة التأسيسية للانعقاد كي تبت فيها .

تقيم الحركة ندوات بيتية في أوقات معينة , لتوضيح مواقفها وعملها . في الآونة الأخيرة شكلت ثلاث لجان من أعضاء اللجنة التأسيسية : المالية , الاعلام والادارة الداخلية . وهنالك لجنة مراقبة منتخبة من قبل اللجنة التأسيسية .

فيما يتعلق بالتخطيط في القرية طالبت النهضة باقامة لجنة تخطيط . واتضح ان هذه قضية مؤلمة مشتركة لقرى أخرى . وبفضل الضغط الذي مارسته الحركة سوف تكون في الطيبة (والطيرة) لجنة تخطيط ابتداء من أول نيسان 1980 . لغاية الآن كانت اللجنة مشتركة لقرى ومستوطنات كثيرة , وغني عن البيان انها لم تستطيع معالجة الطيبة بشكل جدري .

يتذمر أعضاء الحركة من مشاكل ميزانية المجلس . توجد برامج كثيرة وهم يعترفون ان المجلس يبذل الجهد لتنفيذها لكن الحكومة تصم آذانها . فوزارة المعارف وعدت تخصيص مبلغ اربعين مليون ليرة عام 1979 لاقامة مدرسة جديدة , ولم يصل قرش واحد . ورغم كون الطيبة أكبر قرية في المنطقة (حوالي 18000 نسمة) تنعدم فيها مدرسة اعدادية . مشاكل الميزانية تحول دون تنفيذ مشاريع شبكة المجاري , وبسبب سياسة الأراضي الحكومية تعاني القرية من تفجر سكاني ولا مجال لبناء واحدات سكن للازواج الشابة . لقد قامت وسائل الاعلام في الفترة الأخيرة بتزييف عواقب هذه السياسية وذلك عندما تحدثت عن “عصابات الاجرام والمخدرات” في القرية , ولم تتحدث عن الظروف التي أنبتت الاجرام .

يقول فهمي جبارة : “لم يعني السلطات أمر المجرمين والمخدرات الا عندما سمعت أن أفراد من الجيش يأتون الى القرية لشراء الحشيش , وعندما بدأ المجرمون يسرقون خارج القرية . وطالما أن هذه الظاهرة أضرت بنا فقط لم تبالي السلطات , بالعكس لعلهم قد شجعوا ذلك بعدم تدخلهم” .

ويضيف أبو أصبع : “قبل حين , عندما جاء رجل الأمن لتسليمي أمرا بعدم الدخول للأراضي المحتلة , قلت له عندما زعم ان الأهالي لا يتعاونون مع الشرطة : كيف تريد أن يتعاونوا مع الشرطة اذا كانت هذه تتعامل فقط مع السياسيين , وان هذا ليس همها وانها لا تصنع شيئا في أمر هي موجودة من أجله . . .”

تشكل النهضة اليوم لسان الميزان في المجلس . قبل الانتخابات اقترحت على ركاح قائمة مشتركة ولكن ركاح رفضت وآثرت التحالف مع حمولة من الحمائل .

“توجد لنا علاقات طيبة مع الطرفين في المجلس . لسنا في الائتلاف لكننا لا نعد أعداءها . كم عرضوا علينا الرئاسة في المجالس السابقة . ومنصب نائب رئيس المجلس متاح لنا دائما . غير اننا دائما رفضنا , اذ لو قبلنا لأصبحنا تابعين لاحدى الحمائل ولم نبغ ذلك . نحن لا نثق بالحمائل” , قول أبو أصبع . ويلاحظ فهمي جبارة : “أكثرية أعضاء المجلس يعتبرون أنفسهم ممثلين للحمائل . الشيء الرئيسي في اعتبارهم هو أن يكون ممثل لكل حمولة , ولا يعنيهم ماذا يهم هذا الممثل” .

ويوجز أبو أصبع : “كقائمة تعمل كما نعمل فاننا نشكل قوة ضغط على الكتل الحمائلية هذه . كلما شددنا الضغط كلما كشفنا افلاسهم . واذا لم نفعل ذلك فاننا نمكنهم من الاستمرار . علينا تشديد هذا الضغط حتى نضطرهم الى الافلاس السياسي والاجتماعي . حقيقة : قبل الانتخابات الأخيرة لم يعد يخش بعضهم بعضا . لكن الحمولتين تخوفت من النهضة وأشاعت كلتا منهما يوم الانتخابات أن النهضة تدعم قائمتها , مستهدفتين بذلك تفسيخ هذا التلاحم اللاحمائلي” .

أم الفحم : لا مجال لمدرسة دينية

حركة “أبناء البلد” في أم الفحم أوسع شهرة بين الجمهور الاسرائيلي من “النهضة” واسمها أصبح يطلق على حركات مشابهة في قرة أخرى . وفي أم الفحم خطت الحركة خطوات تنظيمية وسياسية في مجالات كثيرة جعلتها تقف في الطليعة . وأبرز تعبير لهذا الموقف كان وضع رؤوس اقلام لبرنامج سياسي عام 1979 , تناول طائفة كبيرة من قضايا تأريخ النضال الفلسطيني ضد الامبريالية وضد الصهيونية مرورا بتأريخ الصهيونية وتحليل طابعها كحركة كولونيالية عنصرية , والتطرق الى “المسألة اليهودية” . وبما أن الحركة قد وصفت للجمهور الاسرائيلي كشوفينية , (ولحملات ركاح وشلي في ذلك فضل غير يسير) فاننا نعرض هنا ما تطرحه الحركة للعرب الفلسطينيين واليهود في البلاد . . . أن يجسدوا حقهم في تقرير المصير ضمن اطار مجتمع (دولة) علماني ديمقراطي اشتراكي في البلاد , كجزء لا يتجزأ من عالم عربي موحد وتقدمي , مجتمع تضمن فيه كل الحقوق القومية الدينية والثقافية لجميع الأقليات القومية والدينية . . .هذا وصادقت الحركة على رؤوس الأقلام هذه في أم الفحم فقط .

يروي محمد أبو سلامة , من نشيطي الحركة القدماء , ان التنظيم الأول بدأ في سنتي 1968-1969 على شكل زيارات بيتية لدراسة القضية الفلسطينية . فكرة تأليف قائمة لانتخابات المجلس المحلي تكونت بعد انتخابات 1968 , عندما ادى امتناع كتلة ركاح في المجلس الى انتخاب احد خدام السلطة البارزين وهو أحمد جابر جبارين رئيسا للمجلس . حتى ذلك الحين اعتبروا ركاح القوة الوحيدة التي تقف في وجه الحمائل وتخرج عن نطاقها . الا انه اتضح ان ركاح مستعدة أحيانا للاشتراك في لعبة الحمائل . ومن هنا خلصوا الى النتيجة ان لا حمائل ولا ركاح !

في 1972 عقد اجتماع لأعضاء الحركة حضره حوالي ستون عضوا . وكان قد طرح وقتئذ السؤال : هل يكون التنظيم محليا فقط ؟ كما وسئل : اذا هدم بيت في قرية أخرى هل يعارض الحركة أم أنها تعارض اذا كان الهدم في أم الفحم فقط ؟

وقال كثيرون انهم غير مستعدين لتحريك ساكن ازاء ما يجري خارج القرية . فقال لهم أبو فريد , وهو اليوم ممثل الحركة في مجلس القرية : نحن , مؤسسي الحركة هنا نعتبر هدم منزل في فيتنام كهدم منزل في أم الفحم فكم بالحري اذا هدموا منزلا في اكسال أو عرعرة . عندئذ ترك الحركة كل من اعتبر ذلك امرا سياسيا لا محليا .

في عام 1973 اشتركت قائمة أبناء البلد في الانتخابات للمجلس وكان المحامي محمد كيوان أول من مثلها في المجلس . وجرى تناوب فخلفهفي القائمة احمد محمود محاجنة .
استعدادا لانتخابات 1978 بادرت الحركة باقامة جبهة , تضم افرادا يؤيدون الحركة وأهدافها غير انهم لا ينتمون اليها عضويا . وهكذا اشتركت في الانتخابات قائمة سميت “الحركة الوطنية التقدمية , أبناء البلد وأوساط شعبية” . عين غسان اغبارية رئيسا للقائمة ومرشحا لرئاسة المجلس . وهو معتقل سياسي وكان لا يزال وقتها في السجن يقضي فترة عقوبة لانخراطه في منظمة “الجبهة الحمراء” في مطلع سنوات السبعين . والغى وزير الداخلية ترشيحه بحجة انه اجترح جريمة تجلب “العار” , وعبثا ناضلت الحركة لابطال هذا القرار . وهكذا خاضت الحركة الانتخابات دون مرشح لرئاسة المجلس , وصوت افرادها فقط لصالح مرشحي الحركة للمجلس المحلي . وانتخب المرشحان الأولان محمد فريد محاميد وحسين أبو حسين لتمثيلها في المجلس .

في أيلول 1970 شارك أعضاء الحركة بجمع التبرعات لارسال الاغذية للأهالي في الأردن . وارسلت ثلاث سيارات شحن ولم يعلم الى اين وصلت . في شتاء 1972 – 1973 جمع أعضاء الحركة الأموال لشراء مدافيء لغرف التعلم في مدارس القرية , وعملوا لايصال الكهرباء اليها . (لا يزال المدارس مضطرة لاستئجار غرف للتعليم في دور خاصة) .

شاركت الحركة بشكل فعال في يوم الأرض 1976 . اقيمت اللجنة المحلية للدفاع عن الأراضي في أم الفحم بمبادرة أبناء البلد وفي ناديهم , بينما امتنعت ركاح عن التعاون , ولما أصبحت اللجنة حقيقة واقعة , انضم اليها أيضا أعضاء في ركاح وجبهتها الديمقراطية . وشاركت الحركة بشكل فعال في أيام ذكرى يوم الأرض اللاحقة .

على اثر النقص في المياة (للشرب أيضا !) الذي عانت منه القرية , قامت حركة أبناء البلد في صيف 1977 بمبادرة اضراب ومظاهرة وشاركت فيهما . ولها ناد في القرية ذو نشاطات ثابتة . تجري ندوات للشباب , تمثيليات , أفلام , محاضرات ومعارض . في صيف 1978 نظم معرض رسوم فلسطينية من اسرائيل والضفة الغربية , وكان رئيس بلدية نابلس بسام الشكعة من الذين حضروا افتتاحها . وتنظم الحركة مظاهرات في الخامس من حزيران كل عام احتجاجا ضد الاحتلال الاسرائيلي سنة 1967 . كما وتجري اجتماعات في الأول من أيار . في الأول من أيار الأخير 1979 , اشترك مئات من أهالي البلد في المظاهرة والاجتماع . وتكلم نشطاء الحركة , ممثلون عن الحركة الطلابية , وحركات شقيقة لأبناء البلد من قرى أخرى , وكذلك ممثل “متسبين” . وقد برز طابع الحركة التقدمي عندما كانت النساء من بين خطباء الاجتماع , اللاتي عبرن عن استيائهن ليس فحسب من السياسة الصهيونية بل من القيود التي يفرضها عليهن المجتمع العربي .

ممثلا الحركة في المجلس المحلي في المعارضة . ويسوق المحامي حسين أبو حسين أمثلة على نشاطات الحركة في المجلس : “أراد أحد أعضاء المجلس تعيينه مدرسا في مدرسة القرية الثانوية . وصادق المجلس على تعيينه في الوقت الذي ظل فيه عضوا في المجلس . فاعتبرنا ذلك شذوذا وتوجهنا الى حاكم اللواء ليعلن عدم شرعية التعيين , وفعلا على اثر تدخاه طرح الموضوع للنقاش مجددا في المجلس واضطر الى الاستقالة من عضويته فيه” .

مثل آخر : أعلنت وزارة المعارف للمجلس انها لا توافق على تعيين ثلاثة معلمين احدهم من سكان الضفة الغربية وقد درّس سابقا في القرية بموافقة وزارة المعارف . “ناضلنا داخل المجلس وخارجه كي يبقى المعلمين الثلاثة في مناصبهم , وذلك لكون مبررات عزلهم سياسية . سافرت شخصيا مع رئيس المجلس وأعضاء ادارتها الى وزارة المعارف في القدس واجتمعنا مع مدير عام الوزارة ومع مفتش المعارف العربية كوبليفيتش . وقلنا ان المعلمين يتمتعون بالمؤهلات التربوية المطلوبة وان عزلهم لا يستند الى أي أساس قانوني . وكان موقف وزارة المعارف انهم لن يسمحوا لانسان “يحرض ضد الدولة” بأن يمارس التعليم” .

وأخيرا وبفضل ضغط حركة أبناء البلد الذي ادى الى اتخاذ المجلس موقفا موحدا , رضخت وزارة المعارف ولا يزال اثنان من المعلمين في منصبهما الى اليوم . أما الثالث وهو موسى هشهش من الخليل فقد تسلم امرا من الحكم العسكري يحظر عليه المبيت في مجال الخط الأخضر , وبهذه الطريقة الادارية تم فصله عمليا . نضال آخر خاضته الحركة داخل المدرسة والمجلس المحلي حسب قول الناطق بلسان الحركة , أدى الى تعبئة عامة لمجلس , فتدخل لدى السلطات وأرجع المعلم الى العمل والمبيت في القرية حتى نهاية السنة الدراسية الحالية . ويقول رجا اغبارية : “ولكن واضح منذ الآن , انه لا احتمال للسماح له في العودة الى أم الفحم للعمل في السنة القادمة” .

ومؤخرا اقترح الائتلاف الذي تدعمه ركاح وتشارك فيه , اقامة مدرسة ثانوية دينية في القرية . موقف أبناؤ البلد هو , يقول أبو حسين , ان لا حاجة لوجود مدرسة دينية , يستطيع التلاميذ دراسة القرآن والتأريخ الديني في المدارس القائمة . لقد صودق على اقتراح الائتلاف , أما ركاح فقد بررت تأييدها له بأنه ليس باقتراح واقعي قريب التنفيذ , أما مقابل تأييدها للاقتراح فسوف تنال تأييد المتدينين في شؤون أخرى . . . ويعلق رجا اغبارية : “رضخت ركاح لضغوط المتدينين في المجلس المحلي وضغوط رؤساء المجالس المحلية في المثلث الشمالي الذين أوجدوا هذه الفكرة . ويجدر بالذكر أن رؤساء هذه المجالس هم ممثلو الأحزاب الصهيونية ورجال حمائل . لقد أدّوا خدمة كبيرة للسلطات بايجادهم هذه الفكرة , لأن نية السلطات هي تحويل هذه المدرسة الى قلعة رجعية تناهض في المستقبل القوى التقدمية في الوسط العربي , كما يفعل الاخوان المسلمون في غزة والضفة الغربية المحتلتين . . .”

ورغم كون الحركة في المعارضة فان أعضائها يشتركون في كل جلسات المجلس ولا يعارضون كل اقتراح , ويؤيدون اقتراحات “تتلائم مع خطنا من ناحية فكرية” . غير ان هذا المقال لا يعالج , كما ورد , خط الحركة الفكري , بل بالاحرى يعالج انجازاتها ونضالاتها داخل القرية .

مطلع “الفجر” في عرعرة

قائمة الفجر في قرية عرعرة اقيمت على خلفية تختلف عن سابقتيها . في سنة 1976 نشب شجار دموي بين الحمائل اودى بحياة فردين . والتنظيم الفوق حمائلي الذي خطا يومئذ خطواته الأولى لم يصمد بوضعه على محك التجربة وتغلب الولاء الحمائلي على الولاء الفكري . لكن ذلك لم يحدث لدى الجميع . في ايلول 1978 وقبيل الموعد الأخير لتقديم قوائم المرشحين لانتخابات المجلس المحلي اجتمع أفراد من حمائل مختلفة ووضعوا منشورا أعلنوا فيه عن اشتراكهم في الانتخابات وثم انتخب أحمد مصاروة (عضو متسبين) ليرأس القائمة التي بلغ عدد مرشحيها خمسة . والاربعة الأخرون هم : عبد الاله يونس , محمد ناطور , طلعت جزماوي وعبد خطيب . واعتبرت الجماعة المؤسسة نفسها نواة مبادرة فقط لا منظمة ذات مؤسسات ودعت في أول منشور لها سائر الناس الذين يعنيهم ما يجري في القرية ان “لا ينضموا الينا بل يشاركوننا ” .

أحمد مصاروة : فازت الحمائل بأصوات الأموات

 

تنافست في الانتخابات في عرعرة احدى عشرة قائمة , تسع منها عائلية واحدة لجبهة السلام والمساواة (ركاح) وقائمة الفجر , وقد اخفقت الأخيرتان , وحازت جبهة ركاح مائة صوت , والفجر مائة وخمسة أصوات . غير انه اتضح في يوم الانتخابات لنشيطي قائمة الفجر أنه تجري نشاطات مكثفة من الغش والتزييف في الخفاء . فقد “صوت” أشخاص كانوا وقتئذ في الحج في مكة , كما و”صوت” بعض الأموات !! ويروي احمد مصاروة أن القرار بتقديم اعتلراض على نتائج الانتخابات جاء لكي يثبت لرؤساء الحمائل وأيضا لعموم سكان القرية , أنه ليس كل شيء ممكن وأن الحمائل ليست قادرة على كل شيء . “لم نعترض على النتائج لأننا أردنا ايصال ممثل للمجلس بكل ثمن ولكن كي نكشف رؤساء الحمائل ولنبرهن أنه يوجد للناخبين كأفراد ما يقولون” .

بحث الاعتراض أمام المحكمة المركزية في حيفا . ومثل قائمة الفجر المحامون حسين أبو حسين , رياض أنيس وحسني أبو حسين من أم الفحم . ورغم ان المحاكم عادة تمتنع عن الغاء نتائج انتخابات , فقد توفرت هذه المرة أدلة قاطعة على التزييف . وقررت المحكمة اعادة الانتخابات في منطقة واحدة من مناطق الاقتراع الثلاثة في القرية . وجرت الجولة الثانية في شباط 1979 . ورغم قيام الحمائل هذه المرة أيضا “بتجنيد عام” لكل الناخبين فقد كان عدد الناخبين أقل من الجولة الأولى وهذا دليل على فائض الأصوات المزيفة في الجولة تلك .

وحصلت قائمة الفجر في منطقة الانتخابات هذه على 32 صوتا في الجولة الأولى وحازت نفس العدد أيضا قائمة جبهة ركاح . أما هذه المرة فقد حصلت الفجر على 85 صوتا وهذا دليل على تغيير في المناخ العام اثر نضال القائمة من أجل اعادة الانتخابات . ودخل احمد مصاروة المجلس ممثلا لقائمة الفجر . وحصلت جبهة ركاح على 25 صوتا فقط في الجولة الثانية .

ورغم هزيمتها وانفضاح أمرها بين الأهالي فان العناصر الحمائلية لم تسلم بالأمر الواقع . ففي 3 آب 1979 قام سبعة عشر نفرا من عائلة يونس بنصب كمين لأحمد مصاروة وضربوه بحجارة كانوا يحملوها بأيديهم لكنه أفلح في الافلات منهم واضطر الى دخول المستشفى , حيث اخيطت الجراح الناجمة في رأسه .

ان ممثل الفجر في المجلس هو في الواقع معارضة من عضو واحد . جميع القوائم الحمائلية تعمل على أساس الموافقة المتبادلة . فمثلا تمت المصادقة على اقتراح الميزانية الذي ينبغي به أن يضع الأسس لسياسة المجلس في شتى المجالات , رغم ان بند النفقات كان قصيرا وغامضا :

תקציב ערערה - 88

جرت مناقشة الميزانية في 18 نيسان 1979 . يقول مصاروة : “قلت انه يجب تقديم اقتراح أكثر تفصيلا لأعضاء المجلس , وذلك خلال فترة كافية قبل الجلسة كي يتسنى الاطلاع على الاقتراح , وكي يعرف كل عضو مجلس على ماذا يصوت . وحضر الجلسة ثمانية أعضاء (من مجموع 11 عضوا) , فعارض اقتراحي سبعة وصادقوا على اقتراح الميزانية دون تغيير” .

في الجلسة السابعة للمجلس والتي انعقدت في 23 ايار 1979 اشتمل جدول الأعمال على بند اعادة تنظيم الهيئة التدريسية في المدرسة الثانوية . واقترح اقالة كل الهيئة , ونشر اعلان في كل الوظائف الشاغرة وقبول معلمين فقط وفق اعتبارات مهنية . وكان السبب هو انحطاط التعليم في المدرسة . وقد صوت أحمد مصاروة لصالح هذا الاقتراح لكن “ظل الاقتراح حبرا على ورق , فلم ينشر أي اعلان , ونفس الهيئة عادت الى العمل . والواقع ان المجلس يستخدم هؤلاء المعلمين على النقيض من قراره ودون أي تعيين رسمي” . ولهذا استدعى المجلس لعقد جلسته ال 17 في كانون الأول 1979 , وعلى جدول أعماله : “تعيين معلمين ومدير للمدرسة الثانوية” . فأراد الائتلاف في الواقع المصادقة على الوضع القائم “فقرأت أمامهم قرار المجلس من جلسته السابعة وأننا ملزمين بهذا القرار واقترحت تنفيذه . وبسبب تدخلي لم يعرض اقتراح الائتلاف على التصويت , واستمر الوضع كما كان في السابق” .

في ايلول وبعد وفاة رئيس المجلس وانتخاب بديل له , عقدت جلسة لتعديل تركيب اللجان . فقرأ نائب رئيس المجلس محمود أبو هلال قائمة من 14 لجنة بما فيها اسماء الأعضاء فيها . واقترح التصويت فورا . فاعترض ممثل الفجر : “لقد قيل في الدعوة الى الجلسة انه سيجري “تعديل” في تركيب اللجان . ولكن في الجلسة يقترحون اعادة تأليف اللجان . ورشح أشخاص متغيبون عن الجلسة كي يترأسوا اللجان . وبسبب تعدد اللجان والأعضاء فانه من الصعب التذكر من يشغل اية لجنة , ولم يشملوني في اية لجنة رغم أني الوحيد في المعارضة , والقانون يلزم ان يكون رئيس لجنة الرقابة من المعارضة” . وقد قبل الاقتراح بأغلبية سبعة أعضاء ومعارضة اثنين .

لقد نشط أحمد مصاروة خلال ثلاثة سنوات لاقامة مدرسة ثانوية صناعية في القرية بحكم وظيفته كسكرتير “جمعية تطوير التربية المهنية على اسم المرحوم دفيد أرنفيلد” . لقد تبرع أصدقاء أرنفيلد وعائلته , بناء على اقتراح أحمد مصاروة , مبلغا لهذه الغاية . وفي 1979 وصل المبلغ ثلاثة ملايين ونصف ليرة . وخلال هذه السنوات جرت عشرات اللقاءات مع مهندس , مع وزارة المعارف , وزارة العمل , والقائمقام وغيرهم . وتسلمت الجمعية خريطة البناء كتبرع من المهندس , وكان من المفروض أن يكمل المجلس المبلغ المطلوب للمشروع وان يصادق على مشروع اقامته . لكن المجلس أراد ان يتسلم المبلغ دون رقابة ورفض قبول خارطة البناء التي قدمت مجانا من المهندس وأصر على استئجار مهندس اخر معين !

وهكذا ضد مصالح القرية , وبسبب الاعتبارات الحمائلية الضيقة حال المجلس دون المصادقةعلى المشروع وازاء عدم الاستعداد والمماطلات لمدة ثلاثة سنوات فقد قرر القائم على تنفيذ وصية ارنفيلد تحويل المبلغ كتبرع الى عدد من المستشفيات في اسرائيل . . .

اهود عين – جيل